الأحد، 24 يونيو 2018

ادعاء النسب ما بين الثبوت واستحقاق الميراث



ادعاء النسب ما بين الثبوت واستحقاق الميراث





الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما... بعد،
دون الخوض في كبيرة اختلاط الأنساب، أو في شروط وأحكام نفي أو ثبوت النسب: كالفراش، الإقرار، اللعان، التواتر، الإستفاضة، الشهرة، القيافة، وما يُستحدث من أدلة مادية كالتحليل الجيني وما غيره .

أقف لحظات مع الإقرار، وليس الإقرار بمفهومه العام، كإقرار الأبوة والبنوة(إقرار الأب ببنوة مدعي أو إقرار الإبن بأبوة رجل)، أو إقرار عشيرة بأخرى .

وإنما أتعرض لمسألة إقرار الوارث أو الورثة بمدعي البنوة، والسبب من وراء ذلك هو تفشي في عصرنا الحالي ظاهرة الإقرار بالنسب والأخذ به والتعويل عليه، خاصةً لدى بعض الجمعيات والنقابات والروابط العشائرية.


فإذا كان الأصل في الإقرار بالنسب هو إقرار البنوة، بمعنى إقرار الأب بالابن مدعي النسب إليه، إلا أن الفقه قد رتب أيضاً أثاراً واختلف حولها، حالة إقرار الورثة ببنوة مدعي النسب إلى المورث المتوفي والذي لم يدركه إقرار حيال حياة المورث.


وذلك كأن يقر ابن أو أكثر بعد وفاة أبيهم: بأن فلان مدعي النسب لأبيهم هو أخ لهم من أبيهم ويستحق معهم في الميراث.


وهنا اختلف الفقه حول هذه المسألة إلى ثلاث أراء

الأول ثبوت النسب والاستحقاق في الميراث: وانقسم أصحاب هذا الرأي إلى قسمين:

أحدهما اشترط إقرار جميع الورثة وبه قال الإمام الشافعي رحمه الله: " فإن أقر جميع الورثة ثبت نسبه وورث"


أما القسم الثاني فقد اكتفى بإقرار أحد الورثة وهذا ما قال به الإمام الماوردي رحمه الله: " قد ذكرنا أن إقرار الوارثين بمدعي البنوة يوجب ثبوت نسبه، وهكذا لو كانوا جماعة وأقروا أو كان واحداً وأقر لأن المُرَاعى إقرار من يحوز الميراث"   

وبذلك يكون النسب والميراث ثابتين بإقرار الورثة عند أصحاب الرأي الأول وإن اختلفا حول عدد المقرين.



الرأي الثاني استحقاق الميراث فقط دون ثبوت النسب: وانقسم أيضاً أصحاب هذا الرأي إلى قسمين:

 الأول وهو عدم ثبوت النسب أياً كان عدد الوارثين المقرين بشكل مطلق، والاكتفاء بالميراث ، وبه قال الإمام مالك رحمه الله: "لايثبت النسب بإقرار الورثة وإنما يستحق به الميراث"

القسم الثاني وهو ثبوت النسب إذا كان عدد المقرين اثنين فأكثر، وبه قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: "إن كان الوارث واحدً لم يثبت بإقراره النسب، وإن كانوا عدداً أقلهم اثنان ثبت النسب بإقرارهم"

ولعل ما دفع أبو حنيفة رحمه الله إلى ذلك هو أنه كان يكتفي بالشهرة في ثبوت النسب فاعتبر شهادة اثنين فأكثر من الوارثين أقرب إلى الشهرة ثبوتاً".


الرأي الثالث عدم ثبوت النسب وعدم الاستحقاق في الميراث:

وبه أخذ الفاروق عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- فثبت عنه: أنه كان لا يورث الحَمِيل وهو الذي يحمل نسبه على غير مقربه والميت غير مقر وإن أقر وارثه.


وقد ذهب إلى رأي عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- عدد كبير مستدلين على عدم صحة ثبوت النسب والميراث بأن من لم يملك نفي النسب لا يملك ثبوته، وأن النفي والإقرار كان حق أصيل للمورث حيال حياته، لا ينسحب لغيره بعد وفاته.


الشاهد هنا والأرجح هو: أن ثبوت النسب بإقرار الورثة بعد وفاة المورث لا يجوز، والخلاف كان فقط في استحقاق الميراث.

ولما كان استحقاق الميراث في حقيقته لا يعدو أن يكون أثر لثبوت النسب، فإنه يدور معه وجوداً وعدماً.


ومن المؤسف أن نرى اليوم قبول بعض الجهات ثبوت النسب بإقرار فرد أو جماعة، وإلحاق على إثره عائلات وعشائر بنسب قبائل وعائلات وعشائر أخرى، لتلصقهم بظهر رجل متوفى منذ قرون، لاسيما وإن كان من آل البيت أو من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.


ولعل انتشار شبكات التواصل الاجتماعي وما تبعها من جماعات لم الشمل، التي هي أقرب في نتاجها إلى بيوت الدعارة، وفي سبيلها إلى أسواق النخاسة.


لنقول أنه ولما كان لا يجوز ثبوت نسب الغير، بإقرار الورثة بعد وفاة مورثهم، فإن جميع الأنساب الصادرة بالإقرار باطلة ما لم يوافقها أحد أدلة الثبوت الأخرى .


هذا وما كان فيه من صواب فهو من الله وحده ، وما كان فيه من خطأ  فمني ومن الشيطان .