الجمعة، 27 أكتوبر 2017

ادراك القول في لم الشمل

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه و على آله وصحبه وسلم و على التابعين له بإحسان وسلم تسليما كثيرا

أما ....... بعد،



قال تعالى " ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير "

فمع تقسيم الله تبارك وتعالى الناس إلى أمم و شعوب ، تعاظم دور الإنسان في مجال العمل الإجتماعي بميوله الفطري وشغفه إلي الإنخراط في جماعات متميزة ، فتعالت دعواته إلى لم الشمل و خلط العوام بينها وبين صلة الأرحام ، وحين تتردد عبارة لم الشمْل على ألسنة  الكثير من العشائر ، أشعر و كأن الله قد فرق شملهم ، أو أنهم يسقطونها في غير محلها دون ادراك لمدلولها الحقيقي .
والمتتبع لهذه الدعوات التي لا مسوغ لها ، يجدها تحمل بين طياتها أهداف حياتية تتأرجح ما بين سياسية و اقتصادية و إجتماعية ، فاستبدلوا صلة الأرحام والأخوة في الدين إلى دعوات عنصرية تضرم نار الفتنة و الفرقة في جسد الأمة الإسلامية .
ولست متخذ موقفا ضد لم الشمل إن كان لجمع لاجئي أو مضطهدي الحروب و الإستعمار ، أومن فرقتهم الكوارث الطبيعية ، و إنما موقفي كان من هذه الدعوات التي يطنطن بها البعض داخل مجتمعات مستقرة و آمنة ، أوضحها  بتناول مفهومها و أسبابها على هذا النحو:
تعريف لم الشمل :

كلمة الشمْل بسكون الميم تعني جمع ما تفرق ، فيقال جمع الله شملهم أو فرق الله شملهم ، ويقال في الدعاء على الأعداء : شتت اللهُ شمْلَهم ، أي فرق جمعهم .
وقال ابن بزرج منشدا : قد يجعل اللهُ بعد العسْر ميسرة ... ويجمعُ اللهُ بعدَ الفرقَةِ الشملاَ

أسبابه :

ولم الشمل لا يأتي إلا عقب فرقة أعقبت جمع ، و إن إختلفت الأسباب :
 فقد يفترق الناس بعقوبة من الله عز وجل كما كان الأمر في بني اسرائيل في قوله تعالى " وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون "
وفي قوله تعالى أيضا " قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين "

و قد تكون الفرقة بسبب الإستعمار كما هو الحال بالنسبة للاجئين الفلسطنيين ، أو بسبب التهجير كما حدث لسكان مدن قناة السويس  إبان حرب 67 و 73 ، أو بسبب الصراعات الداخلية كما هو الحال في سوريا ، أو لصراعات طائفية كالتي في العراق ، أو لظروف اقتصادية و كوارث طبيعية كالمجاعات التي تضرب دول أفريقيا السمراء و الفيضانات و السيول وغيرها .

و قد يكون بسبب حركات انفصالية أو تقسيم لحدود الدول التي تفرق بين أسر و عائلات على الشريط الحدودي كما هو الحال بالنسبة لشمال وجنوب السودان و رفح الفلسطينية و رفح المصرية .

نشأته :

في الأصل ترجع دعاوى لم الشمل إلى بني إسرائيل حيث تجد لها صدى في عقيدتهم ، فيدين أتباع العقيدة الألفية بأن الله لم يفي بوعده لإبراهيم عليه وعلى نبينا السلام لكون  شعب إسرائيل  لم يرث حتى اليوم أرض كنعان كاملة و أنه يتعين أن يحدث ذلك في العهد الألفي بعودة المسيح الذي سيتولى لم شملهم و يكون ملكا عليهم في فلسطين .

وفي سفر تثنية الاشتراع } إذا رجع بنو إسرائيل إلى حفظ وصايا الرب التي أمر بها موسى (آية ٢)، أرجعهم الرب من الأسر (آية ٣) ليسكنوا أرض كنعان (آية ٥) {.
و قد تطور مفهوم لم الشمل و أصبح من حقوق الرعايا حتى شرعت القوانين الوضعية تنظيمات خاصة لمنح الجنسية للأزواج والمقيمين  للم شمل الأسر بها .

الفرق بين لم الشمل و صلة الأرحام :

1-  فبينما تجد أن لم الشمل  لا يأتي إلا عقب فرقة ، فإن صلة الأرحام عمل منشيء لذاته .

2-  في حين أن دعوى لم الشمل من الأمور العارضة التي تدور وجودا وعدما مع ظروف طارئة على جماعات أودت بهم إلى تفرق ، فإن صلة الأرحام من الأمور الدائم العمل بها ، الغير مرتبطة بأسباب أو ظروف خارجة عليها.


3-  لم الشمل وإن كان أمر مرتبط بالإنفصال الجغرافي ، إلا أن صلة الأرحام لا ترتبط بذلك ، فقد يصل الإنسان أولي رحمه من المقيمين خارج وطنه بالسؤال أو الدعاء أو المساعدة المادية أو المعنوية .

4-  دعاوى لم الشمل موجهة للأحياء فقط على خلاف صلة الأرحام موجهة للأحياء و الأموات ، فعن أبي أسيد مالك بن ربيعةَ السّاعدي قَال:
((بينا نحن جلوس عند رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ علَيه وسلم, إِذْ جاءه رجلٌ من بني سلَمة, فَقال: يا رسول اللَّهِ, هلْ بقِيَ من بِرِّ أبويَّ شيءٌ أبرهما به بعد موتهما؟
فقَال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفَارُ لَهما, وصلَة الرحم التي لا توصل إلا بهما،وإكرام صديقهما))

5-  دعاوى لم الشمل لا تتطلب أو ترتبط برحم (قربى) فقد تكون لجماعات قومية أو عرقية أو مذهبية ، على خلاف صلة الأرحام مرتبطة بقربى و إتصال نسب .

6-  دعاوى لم شمل لا ترتبط بدين سماوي فقد تطلق لجمع أمة أو أسر وثنية ، بينما صلة الأرحام أمر إلهي فقد قال فيه الله تعالى "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض"


7-  ليس في السكوت عن لم الشمل معصية ، على خلاف قاطع الرحم فعليه كبيرة في قوله تعالى " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم"

8-  صلة الأرحام تدرك ما لايدركه لم الشمل فقد قال صلى الله عليه وسلم (من سره أن يُبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه)


9-  يتحقق لم الشمل بالعودة والجمع في حين تتحقق صلة الأرحام بالسؤال و المودة و الدعاء و العون .
و في النهاية و إن كان يبدوا للعوام أن كلاهما سواء ، فإنه ينبغي على متصدرين العمل الإجتماعي و باحثي الأنساب أن يفصلوا بين الأمرين ليكون الإسقاط للفظ في محله دون غياب المدلول أو المعنى .

الفقير إلى العلي القدير
خالد عبدالله عنان العُمري