كثيرا ما يروج البعض وخاصة متشيعيين الهوى أن الفاطميين أعادوا للعرب ما فقدوه على يد دولة بني العباس، بزعم أنهم استقطبوا العرب من الجزيرة العربية إلى بلادهم وأكرموهم بعد عدد من المذابح تعرضوا لها على يد حكام بني العباس، إثر ثواراتهم بسبب إسقاطهم من الدواوين وإزاحتهم من إمارة الأمصار واستبدالهم بالعجم.
ولكن حقيقة الأمر كانت على عكس ما روجوا إليه، فلم يستقطب الفاطميون العرب حباً لهم أو لإكرامهم وإعادة حقوقهم، وإنما كان لاستغلالهم أسوء استغلال، والإلقاء بهم في محرقة ثوارت وحروب لصالح سلطانهم.
وقد أرخ لذلك أحد أعلام قبيلة زناته في القرن العاشر الهجري المؤرخ: محمد بن حسن الوزان الفاسي المعروف بليون الإفريقي في كتابه وصف إفريقية، مورداً حواراً دار بين: المعز لدين الله الفاطمي ومستشاره (كاتبه): أبو محمد الحسن عقب غضب الخليفة على جوهر الصقيلي الذي كان سبباً في استقدامه إلى مصر ما أفسح المجال لثورة حكام بلاد البربر (الصنهاجي) وخروجهم من تحت ولايته فكان الحوار كاشفاً لمنهج هؤلاء الروافض العبيديين في التعامل مع العرب:
قال المستشار للخليفة: "مولاي! إن الدهر قلب، فلا تفقد الثقة في قوتك من أجل ما أصابك أخيراً. وإذا قبلت رعاك الله الرأي الذي سأعرضه عليك أنا خادمك الوفي بكل نية وإخلاص، فلا شك أنك ستسترجع عما قريب كل ما سلبك إياه الثوار، وتدرك بعد ذلك كل ما تتمناه دون أن تستأجر أي جندي، بل أريد أن يكون الجيش الذي سأجعله بين يديك هو الذي يؤدي إليك الثمن لسبب سأشرحه لك"
طابت نفس الخليفة، وسأل: كيف يكون ذلك؟
فتابع المستشار: " إنك تعلم يا مولاي، سكان الجزيرة العربية تكاثروا إلى حد أن البلاد أصبحت اليوم لا تسعهم جميعاً، وما تنتجه الأرض يكاد لا يكفي لعلف الماشية لشدة قحطها، والناس لا يشكون فيها قلة الأماكن للسكنى فحسب، وإنما يعانون أيضاً قلة الطعام، لهذا فإنهم سيهاجرون إلى إفريقية إن أذنت لهم، فأذن لهم بالهجرة، وسأضع بين يديك بسبب ذلك كمية هائلة من الذهب"
ثم تابع بعد ذلك المؤرخ ما قام به الخليفة العبيدي من استقطاب القبائل العربية التي بلغ عدد جنودها ما يجاوز الخمسين ألف وحرضهم على قتال حكام البربر.
كان هذا هو الوجه الحقيقي للفاطميين، الذين لم يستقدموا العرب حباً وكرامةً، وإنما استقدموهم حطباً ووقوداً لنار ثورات مستعرة، وجنوداً مرتزقة لخدمة مذهبهم الرافضي المقيت، مستغلين ما عانوه من فاقة وقسوة العيش.
ولعلنا ندرك أن العرب لم يلقوا من التكرمة وطيب المقام في أي عهد، كما كان حالهم فترة النبوة والخلافة الراشدة ثم في ملك بني أمية حتى أسقطهم الخليفة العباسي المعتصم بن الرشيد في رجب سنة 218 هجريا من الديوان وجردهم من عطاياهم، ثم استبدالهم بالعجم، ما حل بهم محل الإهانة وسوء المقام مع بداية هذا الحكم العباسي وما استتبعه من استغلال حكام الروافض.
المصادر:
كتاب وصف إفريقية 1/ 49، 50
القابئل العربية في مصر في القرون الثلاثة الأولى ص 68، 69