الجمعة، 3 يوليو 2020

فصل الخطاب فيما ساقه الواقدي من روايات وأنساب


فصل الخطاب فيما ساقه الواقدي من روايات وأنساب

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد ...؛
لسنا في حاجة لإعادة نشر الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية التي عظمت من قدر الأنساب وطهارة الفراش، وما أود الحديث عن سنوات جهدت خلالها للاطلاع ما استطعت على سير المتقدمين والمتأخرين وما عاصرت من إخوة كرام أحسبهم على خير.
إلا أن ما راعني؛ إلا هؤلاء الذين تبنوا أفكارًا عطبة، اصطنعوا من خلالها قواعد جديدة افتقرت إلى أدنى الضوابط وأدلة الثبوت الشرعية، وروجوا إليها بزعم أن علم الأنساب من العلوم الاجتماعية التي تتسم بطبيعتها الخاصة.
في حين أنه في حقيقة الأمر علم من علوم الشريعة الإسلامية، التي لا تنفك غايته وأحكامه بحال من الأحوال عن غايتها وأحكامها الغراء من حيث الثبوت والنفي، أو الإقرار واللعان، ناهيك على كونه مرتبط ارتباطًا كبيرًا بعلم الحديث بما حملته تراجمه من روايات وأحاديث نبوية.
وقد زعموا أنه لا يشترط لقبول الرواية أن تكون لثقة، فقبلوا رواية الضعيف ومن ثبت كذبه، دون تثبت أو تحقق من صحتها، وصنفوا أبحاثًا وكتبًا على الضعيف والمكذوب، وليتهم اكتفوا بذلك بل عولوا على مخطوطات هي أقرب في رواياتها إلى سلاحف النينجا.
وما إن فتحت شبكات التواصل الاجتماعي منافذها، إلا واستشرى شررهم، وصبغوا عائلات وقبائل بأنساب باطلة، حتى كادت أن تخلع دولة كمصر من جلدتها، وبات أكثر من نصف شعبها يدعون النسب القرشي، رغم علمهم أن قريش بسائر بطونها لم تكن تضاهي حي من أحياء الإسكندرية حينها عددًا.
ولعل في قولي هذا ما يؤلمهم أو ينال منهم، إلا أنني لا أهدف لأشخاص أو أنساب بعينها، فقط وددت إن سلكت بهم طريقًا أراه الأصوب، أو أردهم دون تجريح -أصلح الله حالنا وحالهم.

وإن كان الأمر كما وصفت قد استشرى شرره في زمننا هذا، إلا أنه ليس بجديد، فقد عول بعض المتقدمين على روايات رجال مشهود لهم بالكذب كأبي معشر ومقاتل وغيرهم، بل والمتتبع لكبار المؤرخين يجد بعضهم كابن سعد، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (المتوفى: 230هـ) صاحب الطبقات الكبرى، التي تعد من أكبر المراجع التي يعتمد عليها المؤرخون والنسابون، سيجده عول كثيرًا على روايات الواقدي رغم ضعفه، والتي بلغت عنده أربعة وسبعين رواية، منها ما انفرد بها الواقدي دون غيره.

وفي إيجاز: الواقدي رحمه الله وإن اختلف فيه القول ما بين الضعف والكذب، إلا أنه على أقل تقدير ثابت في حقه أنه ضعيف متروك، لا يؤخذ منه على كثرة رواياته إلا بتحقيق.

فالواقدي: أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي المدني مولى بني هاشم، وقيل مولى بني سهم بن أسلم (المتوفى: 207هـ). إن عرضناه على ميزان الجرح والتعديل يزن أحيانًا ويخف الأخرى، ما بين منكر ومقر، فكان القول فيه:
 مثالبه

 أولاً- من قال بكذبه:
1-   قال بندار: ما رأيت أكذب منه.
2-   وفي كتاب العقيلي: منكر الحديث متروك.
3-   قال أبو حاتم الرازي: كان يضع الحديث.
4-   قال إسحاق: هو عندي ممن يضع الحديث.
5-   قال المزي عن الساجي أن الواقدي متهم فينظر.
6-   قال بندار بن بشار: ما رأيت اكذب شفتين من الواقدي.
7-   قال معاوية بن صالح: قال لي أحمد بن حنبل: هو كذاب.
8-   قال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: كتب الواقدي كذب.
9-   وفي كتاب أبي العرب عن الشافعي: كان بالمدينة سبع رجال يضعون الأسانيد الواقدي أحدهم.
10-  قال النسائي: المعروفون بوضع الحديث على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعة: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان بخراسان، ومحمد بن سعيد بالشام.

 ثانيًا - من قال بضعفه وتركه:
1-   تركه: أحمد، وابن نمير.
2-   قال النسائي: ليس بثقة.
3-   قال مسلم: متروك الحديث.
4-   وقال أبو زرعة: متروك الحديث.
5-   قاله ابن الجوزي وكأنه غير جيد.
6-   قال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث.
7-   قال أبو بشر الدولابي: هو متروك الحديث.
8-   قال أبو زرعة: ترك الناس حديث الواقدي.
9-   قال الإمام ابن حجر: متروك مع سعة علمه.
10-   قال الدارقطني: فيه ضعف مختلف فيه بين على حديثه.
11-  أحمد بن زهير: عن ابن معين، قال: ليس الواقدي بشيء.
12-   قال أبو أحمد الجرجاني: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه.
13-  قال أبو داود: ولا أكتب حديثه ولا أحدث عنه ما أشك أنه كان ينقل الحديث.
14-  قال أبو داود السجستاني: أخبرني من سمع علي بن المديني يقول: روى الواقدي ثلاثين ألف حديث غريب.
15- عن يحيى بن معين، قال: أغرب الواقدي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرين ألف حديث، وقال أيضًا: كان يقلب أحاديث يونس فيصيرها عن معمر، ليس بثقة.


 مناقــــبه
وعلى الجانب الآخر كان هناك من أثنى عليه وقال فيه قولاً طيبًا ومنهم:
1-   سئل عنه أبو يحيى الزّهريّ فقال: ثقة مأمون.
2-   قال محمد بن سلام الجمحي: الواقدي عالم دهره.
3-   قال إبراهيم الحربي: سمعت أبا عبيد يقول: الواقدي ثقة.
4-   وعن أبي حذافة قال: كان للواقـدي ست مائة قمطر كتب.
5-   قال مجاهد بن موسى: ما كتبت عن أحد أحفظ من الواقدي.
6-   وقال مصعب بن عبد الله، وسئل عن الواقدي فقال: ثقة مأمون.
7-   وقال جابر بن كردي: سمعت يزيد بن هارون يقول: الواقدي ثقة.
8-   وسئل معن بن عيسى عنه فقال: أنا أسأل عن الواقدي؟ الواقدي يسأل عني.
9-   قال جابر بن كردي: سمعت يزيد بن هارون يقول: محمد بن عمر الواقدي ثقة.
10-    عن ابن المبارك قال: كنت أقدم المدينة، فما يفيدني ويدلني على الشيوخ إلا الواقدي.
11-   قال إبراهيم بن أرمة: سمعت عباسا العنبري يقول: الواقدي أحب إلى من عبد الرزاق.
12- قال مصعب الزبيري: والله ما رأينا مثله قط، حدثني من سمع عبد الله بن المبارك يقول: كنت أقدم المدينة فما يفيدني ويدلني على الشيوخ إلا الواقدي.
13-   قال إبراهيم بن جابر الفقيه: سمعت محمد بن إسحاق الصغاني يقول، وذكر الواقدي فقال: والله لولا أنه عندي ثقة ما حدثت عنه.
14- قال يعقوب بن شيبة: لما انتقل الواقدي من جانب الغربي إلى هاهنا يقال: إنه حمل كتبه على عشرين ومائة وقر.
15-  كتب المأمون للواقدي حين ألم به فاقة: فيك خلتان: السخاء، والحياء؟ فأما السخاء فهو الذي أطلق ما ملكت، وأما الحياء فهو الذي منعك من إطلاعنا ما أنت عليه، وقد أمرنا بكذا وكذا، فإن كنا أصبنا إرادتك في بسط يدك فإن خزائن الله مفتوحة.
16-   قال محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الانصاري الرويفعى الإفريقى: جرحه قومٌ ووثقه آخرون، وكان جواداً كريماً مشهوراً بالسخاء، وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخف على أحدٍ، عرف أخيار الناس أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأحداث التي كانت في وقته، وبعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك.
17-   قال عباس الدوري: مات الواقدي وهو على القضاء وليس به له كفن فبعث المأمون بأكفانه.
18-  قال محمد بن سعد: ولي الواقدي القضاء ببغداد للمأمون أربع سنين، وكان عالما بالمغازي والسيرة والفتوح والأحكام واختلاف الناس، وقد فسر ذلك في كتب استخرجها ووضعها وحدث بها، أخبرني أنه ولد سنة ثلاثين ومائة، وقدم بغداد سنة ثمانين في دين لحقه، فلم يزل بها.

الخلاصة
لا أسوق الواقدي وابن سعد -رحمهما الله- لأنزل منهما، فقدرهما محفوظ ومكانتهما معلومة، وما كان لي أن أنال منهما، وإنما هي رسالة: "بألا يغرنكم من كتب وصنف وساق وأسند، دون تحقيق وتأصيل، ومن ادعى غير ذلك فهو صاحب هوى".

أما فيما يخص الواقدي رحمه الله فكان واسع العلم عظيم الاطلاع، كثير الإنتاج، صدق حين وصف نفسه: ما من أحدٍ إلا وكتبه أكثر من حفظه وحفظي أكثر من كتبي.
وعلى كل ما ناله من نقد فإني على ما ذهب إليه الإمام الذهبي: الواقدي ضعيف، يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج، أما في الفرائض، فلا ينبغي أن يذكر.

ولعل المطلع على ما صنفت وصاحبي في كتاب التبيين فيمن وطئ أرض مصر من العمريين، يجدني قد بدأت حثيثًا في طلب ذلك، وحاليًا أعمل بشكل أعمق وأدق في كتاب قلائد الجمان في ذرية خضر بن عنان، حيث أتناول فيه النسب ورواياته على هذا المنوال.
والله المستعان

المصادر
لسان الميزان
طبقات الحفاظ
الوافي بالوفيات
تهذيب التهذيب
طبقات النسابين
تذكرة الحفاظ
معجم المؤلفين
سير أعلام النبلاء
الضعفاء والمتروكون
الأعلام للزركلي
تاريخ بغداد وذيوله
تهذيب الكمال في أسماء الرجال
مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان
قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر
تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام
الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث
إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال
مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار
معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار
موسوعة أقوال الإمام أحمد بن حنبل في رجال الحديث وعلله






هناك تعليقان (2):