الاستغراق العناني للعُمري
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا
نبي بعده.
أما ... بعد،
قال تعالى " يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"
سورة الحجرات آية 13.
التمييز بين الشعوب والقبائل والعائلات ليس للتفاخر وإنما لحكمة
أرادها الله تبارك وتعالى، وبدونها يصبح الناس وكأنهم يهيمون في ظلام لا يعرفون
لأنفسهم ورد يوردون إليه، بل وتنقطع صلاتهم وتضيع أنسابهم.
لذلك جعل الله سبحانه في الألقاب وأسماء العائلات ما ينعتون ويعرفون
به، وأوجب بها صلة الأنساب وأعظم فيها أجراً.
وينصب بحثي هذا حول احتفاظ السادة
العنانية العُمرية باللقبين العناني والعُمري، والذي استمر منذ جدهم علي بن عنان
العُمري حتى استغرق اللقب العناني العُمري مع نهاية القرن الهجري الماضي.
فلم يُنعت المتقدمين منهم بالعناني، وإنما كان يلحق عنان بأسمائهم كأب
وليس كلقب، كأن يقال فلان بن عنان العُمري على سبيل المثال : على بن عنان العُمري،
خضر بن عنان العُمري، محمد بن عنان العمري وعبدالقادر بن عنان العُمري وغيرهم من
أعلام هذا البيت.
ولعل هذا كان السبب في شهرتهم بأولاد عنان للجمع، وبابن عنان للفرد،
لكون لقب العُمري كان الأقوى عند تمييزهم.
وظل الأمر على هذا النحو حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري تقريباً، وخاصة بعد أن أُضيف لقب عنان إلى مشيخة أجدادهم العُمرية،
فَنُعتوا باللقبين العناني والعمري معاً، كأن يقال فلان العناني العمري ، وعلى
سبيل المثال: أحمد شمس الدين العناني العُمري، محمد أبوالمراحم العناني العُمري .
واستمرت الغلبة للقب العُمري على حساب العناني، حتى تمكن اللقب
العناني في الفترة الأخيرة من استغراق العُمري، فصاروا ينعتون ويعرفون به منفرداً،
ويرجع السبب في ذلك إلى نظام السجل المدني المصري الذي وضعهم في مفاضلة، ما بين ادراج
أحد اللقبين، فكانت الغلبة للقب عنان، الذين تمسكوا بهم وجعلوه بديلاً.
ولم يكن يدرك السادة العنانية العُمرية، بدلتا مصر أن هناك أنساب
أخرى، لا تمت للنسب العُمري بصلة، ما جعل بعضهم يعتقد أن كل من حمل لقب عنان فهو
عُمري النسب، وفتح المجال أمام دعاة النسب العناني العُمري، لاسيما ممن لا ينتسبون
إلى بطون قرشية أخرى.
وكان رصدنا لهذه التحولات من خلال ما ارتبط بأسماء أعلامهم على فترات
زمنية متباعدة فأخذنا منهم أمثلة، نوليها على الثلاث مراحل المنوه عنها بعاليه:
أولا إدراج عنان كأب مع النعت باللقب العمري:
حيث تُرجِم لعنان كأب والعمري كلقب في العديد من المصادر منها كتاب تاج العروس، للشريف: محمد
مرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي 1145 – 1205 هـ ما نصه:
"محمد بن عنان العُمري أحد الأولياء بمصر من المتأخرين، أدركه
الشعراني وهو جد السادة العنانية بمصر(القاهرة) وأخوه عبد القادر جد العنانية
ببرهمتوش بريف مصر"
كما أورد عباس بن محمد بن أحمد بن السيد رضوان المدني الشافعي (المتوفى: 1346هـ)، في مختصر فتح رب الأرباب بما أهمل في لب اللباب
من واجب الأنساب:
"العناني: للوليين بالقطر المصري
جدي السادة العنانية به الشيخ محمد بن عنان العمري وأخيه عبد القادر بن عنان...".
ومن خلال الترجمتين
وجب التنويه إلى ثلاثة أمور:
* محمد بن عنان العُمري توفي
إلى رحمة الله تعالى سنة 922 هجرياً، وأخيه عبد القادر بعده بعام، سنة 923 هجرياً.
* إلحاق عنان كأب رغم بعده
الزمني في سلسلة نسب محمد و شقيقه عبد القادر مع نعتهم بلقب العُمري.
* ثبوت السيادة للنسب العناني العُمري.
كما أورد إسماعيل بن محمد أمين بن مير سليم الباباني البغدادي (المتوفى: 1399هـ)، في كتابه هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين ما نصه:
العنانى أبو اليسر محمود بن محمد العمري،
المعروف بالعنانى صنف خلع الانوار في الصلاة على النَّبِي المختار - صلى الله عليه
وسلم - فرغ منها سنة 1095 خمس وتسعين والف.
وأيضا عند عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة الدمشق (المتوفى: 1408هـ) في كتابه معجم المؤلفين ترجمة لمحمود بن محمد العمري ما نصه:
"محمود العناني (كان حيا 1095 هـ) (1684
م) محمود بن محمد العمري، المعروف بالعناني (أبو اليسر) فاضل.
من آثاره:خلع الانوار في الصلاة على النبي
المختار صلى الله عليه وسلم فرغ منه سنة 1095 هـ".
وأضيف أن لأبو اليسر العمري كتاباً باسم" الروض الأزهر في مناقب
الجد الأكبر " قام بكتابته سنة 1161 هجرياً،
منه نسخة في مجلد من 161 ورقة بدار الكتب ، ونسخة أخرى في مجلد طبع المطبعة
الأميرية بالقاهرة سنة 1266 هجرياً.
تحدث فيه عن مناقب الجد الأكبر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله
عنه.
ثانيا: تلازم اللقبين العناني، العمري حتى سنة 1178 هجرياً:
وقد ترجم أيضاً لمن حمل اللقبين معاً، الشريف
محمد مرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي 1145 – 1205 هـ، في كتاب المعجم المختص، ما نصه:
"زين الدين بن أحمد بن زين الدين بن محمد، العناني، العُمري ،
شيخ السجادة العُمرية بمصر وهو أكبر اخوته الثلاثة، كان شيخاً، صالحاً، وقوراً،
مهاباً، مسموع الكلمة، اجتمعت به كثيراً، مات 1178 هجريا".
و أقول أنه رحمه الله هو: زين الدين بن أحمد بن زين الدين بن محمد
الطويل بن محمد بن ناصر الدين بن محمد أبو المراحم الكبير بن زين العابدين بن ناصر
الدين بن محمد بن أبي الاسعاد بن زين العابدين بن محمد بن حسن بن العارف بالله أبي
الصفا محمد (ضريحه بمسجده بميدان رمسيس بالقاهرة) المنتهي نسبه إلى خضر بن علي بن
عنان العُمري .
ومن خلال هذه الترجمة نقف على ثلاث:
* تلازم اللقبين العناني و
العمري حتى سنة 1178 هجرياً .
* مشيخة السجادة لم تكن تُعرف
بالعنانية فعلى حسب ما ورد كان اسمها: "مشيخة السجادة العُمرية" فقط .
* تمتع الشيخ زين الدين رحمه
الله بخصال عربية، عكست أصالة النسب القرشي، ما دفع الشريف الزبيدي إلى الترجمة
لها فوصفه "كان شيخاً، صالحاً، وقوراً، مهاباً، مسموع الكلمة".
كما هناك أيضاً ترجمة أخرى بنفس المصدر السابق للشريف محمد مرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي 1145 – 1205 هـ، في كتاب المعجم المختص، ما نصه:
"شعيب بن رضوان بن شعيب بن عبد الله أبي اليسر بن عبد القادر بن
عنان، العناني، العُمري، البرجقوشي.
الشيخ صالح اجتمعت به في المشهد الحسيني في أثناء سنة 1184، واستفدت
من أنساب عشيرته الأقربين، وكان ذا عفاف ومرؤة ودين، ثم عاد إلى بلده"
لأقول أن اجتماع هذه الخصال في هذين الرجلين والتي لخصها الزبيدي في
الصلاح، العفاف، المرؤة، الدين ، الوقار، والهيبة؛ ما تلقي على عاتق كل من ينتمي
إلى هذه الدوحة العُمرية التزاماً خُلقياً، يجب أن يتحلى به.
ونعتت وثائق وقف المرحوم شمس الدين محمد أبو المراحم أيضا باللقبين
ثالثاً: استغراق
عنان للقب العُمري:
وهذا أمر نعيشه الآن ولا يحتاج لبيان، وقد ترجمت له العديد من المصادر
الحديثة منها تَكملَة
مُعجم المُؤلفين، وَفيات (1397 - 1415 هـ) =
(1977 - 1995 م) للمؤلف: محمد
خير بن رمضان بن إسماعيل يوسف في ترجمته للمؤرخ محمد عبد الله عنان ما نصه:
" الباحث،
المؤرِّخ، المحقق، عاشق الأندلس. ولد
في قرية مصرية تدعى (بشلا) من مركز ميت غمر في محافظة الدقهلية.
أكمل دراسته في مدرسة الحقوق السلطانية
وحصل منها على الليسانس، وإثر تخرجه عمل في المحاماة، لكنه سرعان ما تركها إلى الصحافة
والأدب. فاشترك في تحرير السياسة، والمدارس، والجماعات، وأسهم كاتباً في مجلات أخرى كالهلال، ثم التحق بإدارة المطبوعات
حتى بلغ درجة وكيل الإدارة، ثم أحيل منها إلى المعاش عام 1955م.
يجيد من اللغات: الإنجيلزية والفرنسية والألمانية
والأسبانية.
وقد شده تاريخ الأندلس إلى التخصص فيه،
فذهب إلى أسبانيا عام 1936 م ليتجول في الأماكن التي كانت مسرح الأحداث .. في طليطلة
وقرطبة وأشبيلية وغرناطة ومالطة وبلنسية ... وغيرها، وليدرس المراجع والمخطوطات العربية
في مكتب الأسكوريال.
وفي سنة 1943 م صدر الكتاب الأول من موسوعته
(دولة الإسلام في الأندلس) وانتهى عام 1965 م من آخر مجلداتها السبع، تعرض فيها لتاريخ
الأندلس كوحدة متكاملة. كما ألف معجماً صغيراً باللغتين العربية والإسبانية للأعلام
الجغرافية ..."
وأيضا تراجم مختلفة لأعلام السادة العنانية في مختلف المجالات
كالأستاذة: فاطمة عنان، صالح باشا عنان، حسين باشا عنان، الوزير حسين محمد عنان،
الفريق عبد الرحمن عنان، الفريق سامي عنان ... وغيرهم.
كان هذا رصد لتلازم اللقبين العناني والعُمري واستغراق أحدهما للآخر،
وإن كان هذا لا يعود بفائدة مباشرة، على غرار الأبحاث المتعلقة بتحقيق بعض
الأنساب، إلا أنه يعد تأصيل وتأريخ لنسب قد يمضي عليه حين من الزمن، فيتواري ما
كان عليه من نعت عُمري، ويختلط بكل من نُعِت بالعناني اياً كان نسبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق