الأحد، 14 يوليو 2019

استدراك على الذهبي بنسب أموي

ابن الزكي عثمان القرشي


أول من اعتلى منبر المسجد الأقصى عقب تطهيره من الأنجاس الصليبيين على يد القائد المظفر صلاح الدين يوسف، فهز المنبر واهتزت له المدينة المقدسة.
ففيه قال صاحب اتحاف الأخِصا: رسم له السلطان أن يرقى ذلك المرقى بتقديمه فرقى ذلك العود، ولقي السعود واهتزت أعطاف المنبر واعتزت أطراف المعشر فخطب وأنصتوا ونطق وسكتوا وأفصح وأعرب وأبدع وأغرب وأبان عن فضل بيت المقدس وتقديسه وتطهيره بعد تنجيسه وإخراس ناقوسه وإخراج قسسه، وكان أول ما بدأ في خطبته بعد أن استوى قائمًا من جلسته أن استفتح بقراءة سورة الفتح إلى آخرها ثم قال {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45].

وصاحبنا هذا قد ورد نسبه عند شمس الدين محمد بن أحمد بن علي بن عبد الخالق، المنهاجي الأسيوطي ثم القاهري الشافعي (المتوفى: 880 هـ) فقال في نسبه أنه هو: القاضي محيي الدين أبي المعالي محمد أبي الحسن علي بن محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز بن علي بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن القاسم بن الوليد بن محمد بن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنه-

إلا أن شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ) السابق على المنهاجي قد ساق طعن على هذه النسب فقال: 

"ثم إني رأيت كتاب وقف لبني الزكي وهو وقف من جدهم عبد الرحمن بن الوليد بن القاسم بن الوليد القرشي. وقد وقفه في سنة نيف وسبعين ومائتين ولم يزد في نسبه ولا في نسبته على هذا، ولا سمى للوليد أبا ولا ذكر أنه أموي والذي زعم أنه عثماني قال فيه: الوليد بن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنه والله أعلم بحقيقة ذلك. فإن المعروف من ذلك أن المتقدمين يحفظون أنسابهم ويرفعونها. فإذا طالت السنون والأحقاب على الأعقاب نسيت وأهملت واجتزئ بالنسبة إلى القبيلة، فقيل: القرشي والقيسي والهمداني. وأما بالعكس فلا، فإنا لم نر هذا الواقف القديم الذي كان بعد السبعين ومائتين رفع في نسبه فوق ما ذكر في كتاب وقفه. ولا رأينا أحدا من أولاده وهلم جرا إلى زمان قاضي القضاة زكي الدين أبي الحسن يذكرون أنهم - والله يرحمهم - أمويون ولا عثمانيون. وإنما هو أمر لم ينقل عن أهل هذا البيت الطيب، فينبغي أن يصان من الزيادة والانتساب إلى غير جدهم إلا بيقين، ولو ثبت ذلك لكان فيه مفخر وشرف" أ.هـ


ومفاد ذلك:
اعتراض الإمام الذهبي لم يكن على نسب الرجل القرشي وإنما على نسبه إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وأسس اعتراضه على :
* تشككه في أن الوليد بن عبد الرحمن بن أبان.
* أن المتقدمين كانوا يرفعون أعمدة نسبهم كاملة على عكس ما كان في وثيقة الوقف الخاصة بهم والتي نعتت جدهم بالقرشي، دون أن تورد عمود نسب متصل بعثمان رضي الله عنه.


وكل هذا مردود عليه للأسباب التالية:

أولا: أن لا مبرر لتشككه في عدم صحة نسب الوليد لعبد الرحمن بن أبان بن عثمان لأن الوليد ليس الإبن المباشر لعبد الرحمن بن أبان كما ساقه بطعنه وإنما هو حفيده.


ثانيا: عمود نسب صاحب بوثيقة الوقف منضبط زمانيا مع عدد الأجيال.

ثالثا: إن صح أن أنساب المتقدمين كانت ترفع إلا أن الكثير من الأنساب الصريحة عادة ما كانت لا ترفع لشهرة أصحابها،هذا بالإضافة إلى أن وثيقة الوقف التي اعتمد عليها الذهبي قد نعتت صاحبها بالقرشي، كما أن ما ساقه لا يعدو استنباط غير قائم على دليل قطعي، ما لا يرقى لطعن خطير كهذا.

رابعاً: تقدم على الذهبي وترجم لهذا النسب وأثبت صحته كل من:
* كمال الدين أبو البركات المبارك بن الشعار الموصلي (المتوفى: 654 هـ) في مصنفه "قلائد الجمان" منرجماً للشريف: يحيى بن محمَّد بن عليِّ بن محمَّد بن يحيى بن عليِّ بن عبد العزيز بن الحسين بن محمَّد بن عبد الرحمن بن الوليد بن القاسم بن الوليد بن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان، القاضي أبو المفضّل بن القاضي، أبي المعالي الأمويُّ العثمانيُّ.


* كمال الدين أبو الفضل عبد الرزاق بن أحمد المعروف بابن الفوطي الشيباني (المتوفى: 723 هـ) في ترجمته بمصنقه "مجمع الآداب في معجم الألقاب" مترجما للشريف: عزّ الدين أبو محمد عبد العزيز بن الحسن بن علي بن محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن الوليد بن القاسم بن الوليد بن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة ابن عبد شمس بن عبد مناف القرشي، الدمشقي.

خامسا: استفاض عمود النسب هذا شهرة وثبت أن لعبد الرحمن بن أبان ولد له محمد في تراجم ذريته فعند:

ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى: 804هـ) 
ومحمد بن أحمد بن علي، تقي الدين، أبو الطيب المكي الحسني الفاسي (المتوفى: 832هـ)
وكذلك شمس الدين أبو الخير ابن الجزري، محمد بن محمد بن يوسف (المتوفى: 833هـ) 
وأبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ)
وأيضاً يوسف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي، أبو المحاسن، جمال الدين (المتوفى: 874هـ) 

فجميعهم ترجم للشريف: عبد الله بن محمد بن عبد الله بن خليل بن إبراهيم بن يحيى بن أبي عبد الله بن فارس بن عبد الله بن يحيى بن إبراهيم بن سعيد بن طلحة بن موسى بن إسحاق بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- القرشي الأموي العثماني العسقلاني الأصل المكي نزيل القاهرة الشافعي


ولكل هذا نطمئن لصحة نسب صاحبنا إلى ذو النورين عثمان بن عفان الأموي القرشي -رضي الله عنه- وعن ذريته الأماجد النجباء وعن سائر الصحب والآل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق